سورة الزمر - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


هذه صفة حال أهل جهنم. والظلة: ما غشي وغم كالسحابة وسقف البيت ونحوه، فأما ما فوقهم فكونه ظلة بين، وأما ما تحتهم فقالت فرقة: سمي ظلة لأنه يتلهب ويصعد مما تحتهم شيء كثير ولهب حتى يكون ظلة، فإن لم يكن فوقهم شيء لكفى فرع الذي تحتهم في أن يكون ظلة، وقالت فرقة: جعل ما تحتهم ظلة، لأنه فوق آخرين، وهكذا هي حالهم إلا الطبقة الأخيرة التي في القعر.
وقوله: {عباده} يريد جميع العالم خوفهم الله النار وحذرهم منها، فمن هدي وآمن نجا، ومن كفر حصل فيما خوف منه. واختلفت القراءة في قوله: {عباد} وقد تقدم نظيره.
وقوله تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت} الآية، قال ابن زيد: إن سبب نزولها زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري، والإشارة إليهم، وقال ابن إسحاق: الإشارة بها إلى عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد والزبير، وذلك أنه لما أسلم أبو بكر سمعوا ذلك فجاؤوه، فقالوا أسلمت؟ قال نعم، وذكرهم بالله فآمنوا بأجمعهم فنزلت فيهم هذه الآية، وهي على كل حال عامة في الناس إلى يوم القيامة يتناولهم حكمها. و{الطاغوت}: كل ما يعبد من دون الله. و{الطاغوت} أيضاً: الشيطان، وبه فسر هنا مجاهد والسدي وابن زيد، وأوقعه هنا على جماعة الشياطين، ولذلك أنث الضمير بعد.
وقوله تعالى: {الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه} كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه.
واختلف المفسرون في العبارة عن هذا، فقالت فرقة: أحسن القول كتاب الله، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن. وقالت فرقة: القول هو القرآن و{أحسنه} ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك. وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله، وهذه أمثلة وما قلناه أولاً يعمها.


أسقط العلامة التي في الفعل المسند إلى الكلمة لوجهين: أحدهما الحائل الذي بين الفعل والفاعل، ولو كان متصلاً به لم يحسن ذلك، والثاني أن الكلمة غير مؤنث حقيقي، وهذا أخف وأجوز من قولهم: حضر القاضي يوماً امرأة، لأن التأنيث هنا حقيقي. وقالت فرقة: في هذا الكلام محذوف أختصره لدلالة الظاهرة عليه تقديراً: {أفمن حق عليه كلمة العذاب} تتأسف أنت عليه أو نحو هذا من التقدير، ثم استأنف توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على أنه يريد أن ينقذ من في النار، أي ليس هذا إليك. وقالت فرقة: الألف في قوله: {أفأنت} إنما هي مؤكدة زادها لطول، وإنما معنى الآية: {أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟} لكنه زاد الألف الثانية توكيداً للأمر، وأظهر الضمير العائد تشهيراً لهؤلاء القوم وإظهاراً لخسة منازلهم، وهذا كقول الشاعر [عدي بن زيد العبادي]: [الخفيف]
لا أرى الموت يسبق الموت شيء *** فإنما أظهر الضمير تنبيهاً على عظم الموت، وهذا كثير، ثم استفتح إخباراً آخر ب {لكن} وهذه معادلة وتخصيص على التقوى لمن فكر وازدجر.
وقوله تعالى: {من تحتها} أي من تحت الغرف، وعادلت {غرف من فوقها غرف} ما تقدم من الظلل فوقهم وتحتهم. والغرف: ما كان من المساكين مرتفعاً عن الأرض، في الحديث: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف من فوقهم كما يتراءون الكواكب الذي في الأفق» و: {وعدَ الله} نصب على المصدر، ونصبه إما بفعل مضمر من لفظه، وإما بما تضمن الكلام قبل من معنى الوعد على الاختلاف الذي للنحاة في ذلك. ثم وقف نبيه صلى الله عليه وسلم على معتبر من مخلوقاته، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وكل بشر داخل معه في معناه. وقال الطبري وغيره: أشار إلى ماء المطر، وقالوا: العيون منه، ودليل ذلك أنها تنماع عن وجوده وتيبس عند فقده. وقال الحسن بن مسلم بن يناق، والإشارة إلى العيون وليست العيون من المطر، ولكن ماؤها نازل من السماء. قال الشعبي: وكل ماء عذب في الأرض فمن السماء نزل.
قال القاضي أبو محمد: والقولان متقاربان: و: {سلكه} معناه: أجراه وأدخله، ومنه قول الشاعر [البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسك *** من نسل جوابه الآفاق مهداج
ومنه قول امرئ القيس: [السريع]
وواحد الينابيع وهو العين بني لها بناء مبالغة من النبع. والزرع هنا واقع على كل ما يزرع. وقالت فرقة: {ألوانه} أعراضه من الحمرة والصفرة وغير ذلك. وقالت فرقة: {ألوانه} أنواعه من القمح والأرز. والذرة وغير ذلك. و: {يهيج} ييبس، هاج النبات والزرع إذا يبس، ومنه قول علي رضي الله عنه في الحيث الذي في غريب ابن قتيبة: ذمتي رهينة وأنا به زعيم. أي لا يهيج عن التقوى زرع قوم، ولا ييبس على التقوى سنخ أصل، والحديث. والحطام: اليابس المتفتت. ومعنى قوله: {لذكرى} أي للبعث من القبور وإحياء الموتى على ما يوجبه هذا المثال المذكور.


روي أن هذه الآية: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} آية نزلت في علي وحمزة، وأبي لهب وابنه هما اللذان كانا من القاسية قلوبهم، وفي الكلام محذوف يدل الظاهر عليه، تقديره، أفمن شرح الله صدره كالقاسي القلب المعرض عن أمر الله. وشرح الصدر: استعارة لتحصيله للنظر الجيد والإيمان بالله. و«النور» هداية الله تعالى، وهي أشبه شيء بالضوء. قال ابن مسعود: قلنا يا رسول الله كيف انشراح الصدر؟ قال: «إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح»، قالوا وما علامة ذلك؟ قال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل الموت». والقسوة: شدة القلب، وهي مأخوذة من قسوة الحجر، شبه قلب الكافر به في ضلالته وقلة انفعاله للوعظ. وقال مالك بن دينار: ما ضرب العبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، ويدل قوله: {فويل للقاسية} على المحذوف المقدر.
وقوله تعالى: {الله نزل أحسن الحديث} يريد به القرآن، وروي عن ابن عباس أن سبب هذه الآية أن قوماً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله حدثنا بأحاديث حسان وأخبرنا بأخبار الدهر، فنزلت الآية في ذلك.
وقوله: {متشابهاً} معناه: مستوياً لا تناقض فيه ولا تدافع، بل يشبه بعضه بعضاً في وصف اللفظ ووثاقة البراهين وشرف المعاني، إذ هي اليقين في العقائد في الله تعالى وصفاته وأفعاله وشرعه.
وقوله: {مثاني} معناه: موضع تثنية للقصص والأقضية، والمواعظ شتى فيه ولا تمل مع ذلك ولا يعرضها ما يعرض الحديث المعاد. قال ابن عباس: ثنى فيه الأمر مراراً. ولا ينصرف {مثاني} لأنه جمع لا نظير له في الواحد.
وقوله تعالى: {تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم} عبارة عن قفّ شعر الإنسان عندما يداخله خوف ولين قلب عن سماع موعظة أو زجر قرآن ونحوه، وهذه علامة وفزع المعنى المخشع في قلب السامع، وفي الحديث أن أبي بن كعب قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم فرقت القلوب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة» وقال العباس بن عبد المطلب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقشعر جلده من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحاتُّ عن الشجرة اليابسة ورقها» وقالت أسماء بنت أبي بكر: كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم عند سماع القرآن، قيل لها: إن أقواماً اليوم إذا سمع أحدهم القرآن خر مغشياً عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وقال ابن عمر: وقد رئي ساقطاً عند سماع القرآن فقال: إنا لنخشى الله وما نسقط، هؤلاء يدخل الشيطان في جوف أحدهم. وقال ابن سيرين: بيننا وبين هؤلاء الذي يصرعون عند قراءة القرآن أن يجعل أحدهم على حائط باسطاً رجليه ثم يقرأ القرآن كله، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
وقوله: {ذلك هدى الله} يحتمل أن يشير إلى القرآن، أي ذلك الذي هذه صفته هدى الله، ويحتمل أن يشير إلى الخشية واقشعرار الجلود، أي ذلك أمارة هدى الله، ومن جعل {تقشعر} في موضع الصفة لم يقف على {مثاني}، ومن جعله مستأنفاً وإخباراً منقطعاً وقف على {مثاني} وباقي الآية بين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8